نلاحظ جميعا سرعة استثارة الناس في رمضان وقابليتهم السريعة للغضب، وربما التراشق بالكلمات أو التشابك بالأيدي، خاصة في الشوارع المزدحمة وفي أوقات الذروة، وبالذات تلك اللحظات قبل الإفطار مباشرة، حيث يسرع الجميع ليصلوا إلى بيوتهم قبل موعد الإفطار ليلحقوا بتلك اللحظة الغالية، لحظة أذان المغرب، وهم أمام المائدة العامرة وسط أفراد العائلة، فإذا عطلهم شيء عن تحقيق هذا الهدف ثارت ثائرتهم، وربما نسوا أنهم صائمون.
إذن كيف نوفق بين حقيقة أن الصوم تهذيب للنفس وضبط للمشاعر وبين ما يحدث في شوارعنا وأماكن عملنا وربما بيوتنا من انفلات للمشاعر والانفعالات في بعض الأوقات؟
لا شك أن الأيام الأولى في رمضان تشكل صعوبة لكثير من الناس، خاصة أولئك الذين لم يدربوا أنفسهم على صوم النوافل في رجب وشعبان أو في شهور السنة عموما، فهؤلاء يجدون أنفسهم فجأة في مواجهة حالة من الحرمان من كثير من عاداتهم الراسخة، فهم يحرمون من شاي أو قهوة الصباح، ويحرمون من التدخين ويحرمون من الطعام والشراب والجنس، ويحرمون من كثير من ساعات النوم التي اعتادوها؛ لذلك يكونون في حالة توتر ملحوظ، خاصة في الأيام الأُولى من رمضان، فإذا أضفنا إلى ذلك الزحام الشديد (حيث تزيد حركة الناس في هذا الشهر) والحر الشديد في الصيف والرطوبة العالية والتلوث السمعي والبصري والكيميائي، كل ذلك يساعد على سرعة الاستثارة وعلى انفجار موجات الغضب لدى نسبة من الصائمين الذين لم يمهدوا لأنفسهم بصيام بعض الأيام في شهور السنة الأخرى، وهذه الحالة من سرعة الاستثارة والغضب لا تستمر كثيرا، إذ تقل حدتها مع الدخول في أيام رمضان ولياليه، حيث يتأثر الصائمون بصومهم وقيامهم وقراءتهم القرآن فتتهذب نفوسهم، وتقوى ملكة ضبط النفس لديهم وترق قلوبهم وتشف أرواحهم، ولهذا نجد الصائمين قرب نهاية رمضان أكثر طيبة وأكثر هدوءا وسماحة، وتلك هي إحدى ثمار الصيام.
تكافل نفسي
وربما نفهم وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا السياق حين يقول عن الصائم: "وإن سبه أحد أو خاصمه فليقل إني صائم"، وكأن هذا الحديث يشير إلى احتمالية هذه الحالة المستثارة انفعاليا، ولهذا يحتاج الإنسان لأن يذكر نفسه بأنه صائم حتى يوقفها عن الوقوع في تلك الانفعالات الشديدة، والتي ربما تتولد عن الظروف الشخصية والبيئية التي ذكرناها آنفا.
وربما تكون هذه الحالة الانفعالية جزءا من منظومة الصيام حتى تقابلها محاولات وجهود من الصائم لضبطها، وبهذا يتعود على ضبط ما هو دونها، وكأن بعض ظروف الصيام يمكن أن تثير بعض الانفعالات، ولكن عناصر أخرى في الصيام ذاته تقوي عوامل الضبط والسيطرة على هذه الانفعالات، فيصل الإنسان إلى حالة من التوازن الصحي على مستوى أعلى، وإذا كنا نتوقع من بعض الصائمين سرعة الانفعال في رمضان فلنوطن أنفسنا على تحملهم وكأن هذا نوع من التكافل النفسي بين الصائمين